وكلام شيخ الإسلام رحمه الله في (ص:44) يوضح ذلك، فيقول: (قلت: تفريق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل؛ وإن اقتضى أن الأعلى هو الإحسان، والإحسان يتضمن الإيمان، والإيمان يتضمن الإسلام؛ فلا يدل على العكس، ولو قدر أنه دل على التلازم فهو صريح؛ لأن مسمى هذا ليس مسمى هذا) فالتلازم يكون بين شيئين مختلفين، ففرق بين التلازم وبين الترادف، فنحن نقول: إن القول المرجوح هو القول بأن الإيمان والإسلام مترادفان، وأما من يقول: إنهما متلازمان؛ فهذا حق.
يقول: (لكن التحقيق أن الدلالة تختلف بالتجريد والاقتران كما قد بيناه، ومن فهم هذا انحلت عنه إشكالات كثيرة في كثير من المواضع حادت عنها طوائف في مسألة الإيمان وغيرها).
هذا كلامه رحمه الله، وفعلاً كما أوضحنا من قبل أن هذا الموضوع مهم، وقد ذكره الشيخ رحمه الله في الأول، ثم أخذ ينتقد بعض الكلام الذي قاله ابن الصلاح ، و محمد بن نصر المروزي رحمهم الله وغيرهم من العلماء الذين تكلموا في موضوع الإسلام وفي أركانه.
قال شيخ الإسلام : واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان وهو التصديق، ويتناول أصل الطاعات؛ فإن ذلك كله استسلام.
فخرج مما ذكرناه وحققناه أن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان، هذا الكلام لـابن الصلاح .
وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، فهذا تحقيق واف بالتوفيق بين متفرقات النصوص الواردة في الإيمان والإسلام؛ التي طالما غلط فيها الخائضون، وما حققناه من ذلك موافق لمذاهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد هذا: (فيقال: هذا الذي ذكره رحمه اللّه فيه من الموافقة لما قد بين من أقوال الأئمة، وما دل عليه الكتاب والسنة ما يظهر به أن الجمهور يقولون: كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً.
وقوله: إن الحديث ذكر فيه أصل الإيمان وأصل الإسلام؛ قد يورد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن الإيمان والإسلام بما هو من جنس الجواب بالحد عن المحدود، فيكون ما ذكره مطابقاً لهما لا لأصلهما فقط، فالإيمان هو الإيمان بما ذكره باطناً وظاهراً، لكن ما ذكره من الإيمان تضمن الإسلام، كما أن الإحسان تضمن الإيمان).
أي: أنه عندما أراد الشيخ ابن الصلاح رحمه الله وغيره أن يوفقوا بين الأقوال؛ فقالوا: إن الإسلام يطلق على أصل الدين، والإيمان أيضاً يطلق على أصل الدين، فكأنهم يقولون: أنهما أحياناً يكونان مترادفين، وأحياناً ينفصلان.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد بنا كتابه هذا كله ورأيه في المسألة على حديث جبريل عليه السلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن الإيمان، وعن الإسلام، وعن الإحسان بما يجاب به في علم المنطق، وفي علم التعريف، وهو: الجواب بالحد عن المحدود، والحد: هو التعريف الجامع المانع المنضبط، فهو صلى الله عليه وسلم لما قال له جبريل: أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام كذا، فأجاب بالحد الجامع المانع عن المحدود، فعلى هذا لا ينبغي لنا أن نفسر ذلك بتفسير آخر، فهو يرى الوقوف عند هذا، وأما ما قاله من التلازم بينهما كذلك فهو حق، وهو قول جمهور الأئمة.